فصل: تفسير الآية رقم (47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)}
قوله تعالى: {لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً}: العامَّةُ على {عُدّة} بضم العين وتاء التأنيث وهي الزَّادُ والراحلةُ وجميعُ ما يَحْتاج إليه المسافرُ.
وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنهُ معاوية {عُدَّةُ} كذلك إلا أنه جعل مكان تاء التأنيث هاء ضمير غائب تعود على الخروج. واختُلِف في تخريجِها فقيل: أصلُها كقراءة الجمهور بتاء التأنيث، ولكنهم يحذفونها للإِضافةِ كالتنوين. وجعل الفراء من ذلك قوله تعالى: {وَإِقَامَ الصلاة} [النور: 37]، ومنه قولُ زهير:
إنَّ الخَلِيْطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانْجَرَدُوا ** وأَخْلَفُوك عِدَ الأمرِ الذي وَعدُوا

يريد: عِدَّة الأمرِ. وقال صاحب اللوامح: لمَّا أضافَ جعل الكناية نائبةً عن التاء فأسقطها؛ وذلك لأنَّ العُدَّ بغير تاء ولا تقديرها هو الشيء الذي يخرج في الوجه.
وقال أبو حاتم: هو جمع عُدَّة كبُرّ جمع بُرّة، ودُرّ جمع دُرَّة، والوجهُ فيه عُدَد، ولكن لا يوافق خطَّ المصحف.
وقرأ زر بن حبيش وعاصم في رواية أبان {عِدَّهُ} بكسر العين مضافةً إلى هاءِ الكناية.
قال ابن عطية: وهو عندي اسمٌ لِما يُعَدُّ كالذِّبْح والقِتلْ. وقرئ أيضًا {عِدَّة} بكسر العين وتاء التأنيث، والمرادُ عدة من الزاد والسلاح مشتقًا من العَدَد.
قوله: {ولكن كَرِهَ الله} الاستدراكُ هنا يحتاجُ إلى تأمل؛ ولذلك قال الزمخشري: فإن قلت: كيف موقعُ حرفِ الاستدراك؟ قلت: لمَّا كان قوله: {وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج} معطيًا نفيَ خروجهم واستعدادهم للغزو قيل: ولكنْ كره الله انبعاثَهم، كأنه قيل: ما خرجوا ولكن تَثَبَّطوا عن الخروج لكراهةِ انبعاثهم، كما تقول: ما أحسن زيدٌ إليَّ ولكن أساء إليّ. انتهى. يعني أن ظاهر الآية يقتضي أنَّ ما بعد {لكن} موافقٌ لما قبلها، وقد تقرَّر فيها أنها لا تقع إلا بين ضدين أو نقيضين أو خلافين على خلاف في هذا الأخير فلذلك احتاج إلى الجواب المذكور.
قال الشيخ: وليست الآيةُ نظيرَ هذا المثال يعني: ما أحسن زيدًا إليّ ولكن أساء، لأن المثالَ واقعٌ فيه {لكن} بين ضدَّيْن، والآيةُ واقعٌ فيها {لكن} بين متفقين من جهة المعنى، قلت: مُرَادُهم بالنقيضين النفيُ والإِثبات لفظًا وإن كانا يتلاقيان في المعنى، ولا يُعَدُّ ذلك اتفاقًا.
والتَّثْبيطُ: التَّعْويق. يقال: ثَبَّطْتُ زيدًا أي: عُقْتُه عَمَّا يريده من قولهم: ناقة ثَبِطَة أي بطيئة السير. والمراد بقوله: {اقعدوا} التَّخْلية وهو كنايةٌ عن تباطُئِهم، وأنهم تشبهوا بالنساء أو الصبيان والزمنى وذوي الأعذار، وليس المراد قعودًا كقوله:
دَعِ المكارِم لا تَقْصِدْ لبُغْيَتها ** واقعُدْ فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي

اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}.
أي لو صدقوا في الطاعة لاستجابوا ببذل الوسع والطاقة، ولكن سَقِمَتْ إرادتُهم، فحصلت دون الخروج بَلادَتُهم، وكذلك قيل:
لو صحَّ منكَ الهوى أُرْشِدْتَ للحِيَلِ.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِن كَرِهَ الله انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ}.
ألْزَمَهم الخروجَ من حيث التكليف، ولكن ثبَّتهم في بيوتهم بالخذلان؛ فبالإلزام دعاهم، وبأمر التكوين أقصاهم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (47):

قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كأنه قيل: ما له ثبطهم وقد كنا قاصدين سفرًا بعيدًا وعدوًا كثيرًا شديدًا فنحن محتاجون إلى الإسعاد ولو بتكثير السواد! قيل: و{لو} أي فعل ذلك بهم لأنهم لو {خرجوا فيكم} أي وإن كانوا قليلًا معمورين بجماعاتكم {ما زادوكم} أي بخروجهم شيئًا من الأشياء {إلا خبالًا} أي ما أتوكم بشيء زائد على ما عندكم من الأشياء غير الخبال، والاستثناء مفرغ والمستثنى منه- المقدر الثابت لهم الاتصاف به- هو الشيء، وذلك لا يقتضي اتصاف أحد منهم بالخبال قبل خروج المنافقين، والخبال: الفساد، وهو ينظر على الخداع والأخد على غرة {ولأوضعوا} أي أوقعوا الإيضاع، حذف المفعول إشارة إلى أن مرادهم الإيضاع نفسه لا بقيد دابة، وعبر بالإيضاع لأنه للراكب وهو أسرع من الماشي {خلالكم} أي لأسرعوا في السير ذهابًا وإيابًا بينكم في تتبع عوراتكم وانتظار زلاتكم ليجدوا منها مدخلًا إلى الفساد بالنميمة وغيرها إن لم يجدوها، والإيضاع في السير يكون برفق ويكون بإسراع، والمراد به هنا الإسراع، ومادة وضع بجميع تراكيبها تدور على الحركة، وتارة تكون إلى علو وتارة إلى سفول، ويلزم ذلك السكونُ والمحلُ القابل لذلك، وعلى ذلك يتمشى العضو والعوض، وعَوض الذي هو بمعنى الدهر، وضوع الريح والتصويت بالبكاء، والضعة لشجرة في البادية، والوضع للطرح في مكان والسير اللين والسريع؛ والخلال جمع الخلل وهو الفرجة {يبغونكم} أي حال كونهم يريدون لكم {الفتنة} أي بتشتيت الشمل وتفريق الأصحاب وتقدم عند {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [الأنفال: 39] أنها الخلطة المميلة المحلية، أي يريدون لكم الشيء الذي يصيبكم فغير حالتكم إلى ما يسوءكم فيسرهم {وفيكم} أي والحال أنه فيكم {سماعون لهم} أي في غاية القبول لكلامهم لضعف معارفهم وآرائهم.
وربما كان سماعهم منهم مؤديًا إلى مطلوبهم {والله} أي الذي أخبركم بهذا من حالهم وله الإحاطة بكل شيء {عليم} بهم، فثقوا بأخبارهم.
هكذا كان الأصل وإنما قال: {بالظالمين} إشارة إلى الوصف الذي أوجب لهم الشقاء بمنعهم عن موطن الخير، وتعميمًا للحكم بالعلم بهم وبمن سمع لهم ظالم، والحاصل أنه شبه سعيهم فيهم بالفساد بمن يوضع بعيره في أرض فيها أجرام شاخصة متقاربة، فهو في غاية الالتفات إلى معرفة ما فيها من الفرج والتأمل لذلك حذرًا من أن يصيبه شيء من تلك الأجرام فيسقيه كأس الحمام، فلا شغل لهم إلا بغية فسادكم بعدم وصولكم إلى شيء من مرادكم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}
اعلم أنه تعالى بين في هذه الآية أنواع المفاسد الحاصلة من خروجهم وهي ثلاثة: الأول: قوله: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا} وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: [في تفسير معنى الخبال]:

الخبال والشر والفساد في كل شيء، ومنه يسمى العته بالخبل، والمعتوه بالمخبول، وللمفسرين عبارات قال الكلبي: إلا شرًا، وقال يمان: إلا مكرًا، وقيل: إلا غيًا، وقال الضحاك: إلا غدرًا، وقيل: الخبال الاضطراب في الرأي، وذلك بتزيين أمر لقوم وتقبيحه لقوم أخرين، ليختلفوا وتفترق كلمتهم.

.المسألة الثانية: [في الاستثناء في قوله: {إِلاَّ خَبَالًا}]:

قال بعض النحويين قوله: {إِلاَّ خَبَالًا} من الاستثناء المنقطع وهو أن لا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، كقولك: ما زادوكم خيرًا إلا خبالًا، وههنا المستثنى منه غير مذكور وإذا لم يذكر وقع الاستثناء من الأعم والعام هو الشيء، فكان الاستثناء متصلًا، والتقدير: ما زادوكم شيئًا إلا خبالًا.

.المسألة الثالثة: [في كراهة ذلك الانبعاث لكونه مشتملًا على هذا الخبال والشر والفتنة]:

قالت المعتزلة: إنه تعالى بين في الآية الأولى أنه كره انبعاثهم، وبين في هذه الآية أنه إنما كره ذلك الانبعاث لكونه مشتملًا على هذا الخبال والشر والفتنة، وذلك يدل على أنه تعالى يكره الشر والفتنة والفساد على الإطلاق، ولا يرضى إلا بالخير، ولا يريد إلا الطاعة.
النوع الثاني: من المفاسد الناشئة من خروجهم قوله تعالى: {ولأَوْضَعُواْ خلالكم يَبْغُونَكُمُ الفتنة} وفي الإيضاح قولان نقلهما الواحدي.
القول الأول: وهو قول أكثر أهل اللغة، أن الإيضاع حمل البعير على العدو، ولا يجوز أن يقال: أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيرًا حثيثًا.
يقال: وضع البعير إذا عدا وأوضعه الراكب إذا حمله عليه.
قال الفراء: العرب تقول: وضعت الناقة، وأوضع الراكب، وربما قالوا للراكب وضع.
والقول الثاني: وهو قول الأخفش وأبي عبيد أنه يجوز أن يقال: أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيرًا حثيثًا من غير أن يراد أنه وضع ناقته، روى أبو عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة وعليه السكينة وأوضع في وادي محسر وقال لبيد:
أرانا موضعين لحكم غيب ** ونسخو بالطعام وبالشراب

أراد مسرعين، ولا يجوز أن يكون يريد موضعين الإبل لأنه لم يرد السير في الطريق، وقال عمر بن أبي ربيعة:
تبالهن بالعدوان لما عرفنني ** وقلن امرؤ باغ أكل وأوضعا

قال الواحدي: والآية تشهد لقول الأخفش وأبي عبيد.
واعلم أن على القولين: فالمراد من الآية السعي بين المسلمين بالتضريب والنمائم، فإن اعتبرنا القول الأول كان المعنى: ولأوضعوا ركائبهم بينكم، والمراد الإسراع بالنمائم، لأن الراكب أسرع من الماشي، وإن اعتبرنا القول الثاني كان المراد أنهم يسرعون في هذا التضريب.

.المسألة الرابعة: [في قراءة قوله: {وَلأَوْضَعُواْ}]:

نقل صاحب الكشاف عن ابن الزبير أنه قرأ {ولأوقصوا} من وقصت الناقة وقصا إذا أسرعت وأوقصتها، وقرئ {ولأرفضوا}.
فإن قيل: كيف كتب في المصحف {وَلأَوْضَعُواْ} بزيادة الألف؟
أجاب صاحب الكشاف بأن الفتحة كانت ألفًا قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريبًا من نزول القرآن وقد بقي في ذلك الألف أثر في الطباع، فكتبوا صورة الهمزة ألفًا وفتحتها ألفًا أخرى ونحوه {أَولا أذبحنه}.